خراب اقتصادي بلا تكلفة

وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية تبلغ كميات الغاز التي يحرقها العراق يوميا يكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة الكهربائية، التي يعاني العراقيون من شحها منذ سنوات، وفي أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي في شهر تموز من العام الماضي، احتل العراق المركز الثاني عالميا بين أعلى الدول إحراقا للغاز الطبيعي، اذ تشير بيانات البنك الدولي إلى أن العراق أحرق العام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب يحرق في الأجواء، وقد لا يفهم المواطن البسيط حجم هذه الارقام ولا تعنيه في شيء، لكنها في حقيقة الامر هي أحد اهم اسباب معاناته في مجالات مختلفة وليس الطاقة لوحدها، بعض المختصين في مجال الطاقة عزوا بعض الاسباب، التي أدت الى عدم استغلال الغاز المصاحب لانتاج النفط، بان العراق خسر منشآت تصنيع الغاز خلال الحروب التي شهدها في العقود الأخيرة، بينما ذهب آخرون الى عدم الجدية في استغلال هذه الثروة لمشكلات فنية كثيرة، بعضها مبهم واخر معلوم، بينما رأى آخرون أن قطاع الغاز معقد ويحتاج الى كلفة مالية كبيرة وتكنولوجيا حديثة، علما ان الغاز الطبيعي في العراق نوعان، الاول هو الغاز المصاحب للنفط، وهو الجزء الأكبر من الثروة الغازية في البلاد، والثاني هو الغاز الطبيعي الحر، والموجود في حقل عكاز غرب الانبار وحقل سيبة في البصرة والمنصورية في ديالى.
في سبعينيات القرن الماضي شرعت الحكومة آنذاك في بناء معامل ومنشآت لاستثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط، بعد ان تنبهت على حجم هذه الثروة المهمة، لكن مسيرة الحروب العبثية التي خاضتها أدت الى تدمير معظم تلك المنشآت، وبعد اندثار العهد السابق وبزوغ عهد جديد، يبرز السؤال الاهم في عهدنا الحالي، ما الذي يمنع الدولة العراقية من استغلال ثروتها الغازية، وهي تستورد شهريا بملايين الدولارات غازا لا يكفي لتشغيل جميع محطات الكهرباء، التي يتوقف قسم منها بين حين واخر بسبب انقطاع الغاز من المصدر المورد، وزارة النفط تحدثت في اكثر من مناسبة عن طموحات من خلال تعاقداتها مع شركات اميركية وصينية وشركات أخرى لاستثمار الغاز المصاحب بحلول عام 2025، بينما ذهبت أنباء اخرى أن العراق بدأ منذ فترة باستثمار الغاز المصاحب من خلال شركة شل الهولندية، التي تستخرج النفط في 4 حقول في البصرة، وبمعدل إنتاج يتراوح بين 900 مليون إلى مليار قدم مكعب قياسي في اليوم، وبخطة استثمارية ستصل عند اكتمال المشاريع إلى ملياري متر مكعب قياسي يوميا، ومع وجود هذه الاحاديث منذ فترة طويلة، ما زال العراق يدفع مبالغ كبيرة من اجل استيراد الغاز ويحرق 10 أضعاف الكميات التي يستوردها وبهدر يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويا، فهل ستبقى هذه العقود والطموحات مجرد اقاويل نسمع عنها هنا وهناك، ام ستكون هناك مشاريع فعلية سترى النور وتنهي خراب اقتصادي ما زال مستمرا منذ سنوات طويلة.