كثيرة هي التسميات التي أطلقت على الموازنات المالية للدولة العراقية للسنوات المتعاقبة فمنها انفجارية وأخرى تقشفية ولكن ما يطلق على موازنة 2021 في الاغلب أنها موازنة انتحارية لأنها أعدت من الحكومة في ظروف وتحديات مصيرية هادفة لرؤية اقتصادية تعتقدها الحكومة بأنها السبيل الوحيد لمعالجة التراكمات التي باتت سائدة ومتكررة في كل الموازنات السابقة، سيما وأن الموازنة هي عبارة عن بيان تقديري لنفقات وايرادات الدولة لمدة مستقبلية تكون عادة سنة واحدة، ويتطلب تقديمها من الحكومة التي تعدها الى البرلمان ومن ثم تذهب الى رئيس الجمهورية للمصادقة عليها، وهي تعبر عن اداة رئيسية من ادوات السياسة المالية وتعكس رؤية الحكومة الاقتصادية والاجتماعية وتعمل على تحقيق أهدافها، وعليه فإن الوصف العام للموازنة العامة للدولة هي عبارة عن خطة مالية يتم على اساسها اتخاذ القرارات الخاصة بالنفقات العامة للدولة وايراداتها لفترة لاحقة، أي أنها تمثل برنامجا ماليا يتضمن السياسات المالية والأهداف التي تسعى الحكومة الى تحقيقها، وأن ما حدث في موازنة 2021 يعد نقطة تحول أساسية في المنظور الاقتصادي ويختلف تماما عن ما تم اعداده من موازنات سابقة، حيث إن الحكومة بذلت جهودا استثنائية في ظروف معقدة وشائكة لكي تؤسس لبدايات اقتصادية تعتقدها المنفذ الوحيد لخروج العراق من النفق الذي أدخل به من خلال الموازنات التقليدية السابقة نتيجة سوء التخطيط المالي وترشيد الاستهلاك وضبط النفقات، إضافة الى الاعتماد على النفط موردا أساسيا مع غياب تعظيم إيرادات الدولة الأخرى كالزراعة والصناعة وكانت الرؤية في هذا التوجه معتمدة في تطبيقاها على الواقع الفعلي للوفرة المالية وتحتاج الى تعاون الجميع، سيما وأن اعداد الموازنة اذهل الجميع بخطوات إصلاحية لا تخلو من التقشف الممنهج، وعليه فإن الجميع تلقي الصدمة وبشكل جعل البعض يفقد صوابه وفق هذا التوجه، ومنها رفع سعر صرف الدولار والذي قد تكون به فوائد لحماية المنتج المحلي مقارنة بدول الجوار الا أنه أضر بالطبقات الفقيرة في المجتمع، اضافة الى فقرات أخرى منها المساس برواتب الموظفين والذين هم أداة الدولة وقاعدتها في زيادة الإنتاج، فضلا عن أن العديد من الفقرات التي تتضمنها الموازنة منها إيجابي ومنها سلبي وكان الاجدى من الحكومة قبل أن ترسل الموازنة الى البرلمان أن ترفقها بمعالجات محلية لاجل إنجاح خططها الاقتصادية وتقبل طروحاتها بهذأ الشأن، من خلال معالجات محلية لتقليل اثار سعر صرف الدولار على المواطنين من خلال دعم الطبقات الفقيرة وزيادة الرواتب للموظفين مقارنة بارتفاع قيمة الصرف كذلك معالجات للقطاعات الاقتصادية والتي هي أداة نجاح الموازنة ومنها مثلا دعم القطاعات الاقتصادية وفتح مجالات الاستثمار والاعتماد على الصناعة والزراعة كموارد مالية من خلال تعظيم الإيرادات وكثير من الأمور الأخرى، فضلا عن سعي الحكومة بإيجاد سبل كفيلة للنهوض بالاقتصاد العراقي بشكل عام واستحداث موارد كانت غائبة وهي في غاية التحقيق، إضافة الى معالجة مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب والخريجين واصحاب الشهادات العليا، وكل هذه الاجراءات كان من الممكن تضمينها في ملحق إصلاحي، ولو تم تنفيذ هذه الخطوة لكان لها صدى إيجابي في تقبل الفقرات الاصلاحية في موازنة 2021 من قبل الجميع ولكن معظم الفقرات بقيت سائبة دون علاج مما أعطى البرلمان وضع بعض التعديلات وإن اختلفت توجهاتها إلا أنها تصب في مصلحة المواطن ولكن بعد إقرارها والمصادقة عليها، طعنت فيها الحكومة لدى المحكمة الاتحادية بحجة عدم وجود سقف مالي لتغطية هذه التعديلات ورغم أن نتائج الطعن لم تعلن حتى الساعة، وعليه أصبحت هذه الموازنة
أمام مخاضات عسيرة ولا ترى النور قريبا كون هذه الموازنة 2021 واجهت في اعدادها نقص الموارد المالية للعراق نتيجة انخفاض اسعار النفط إضافة الى تراكم الازمة الصحية بسبب تفشي وباء كورونا الفتاك في العالم، فضلا عن اعتماد العراق على مصدر وحيد الجانب دون القطاعات الاقتصادية المنتجة الاخرى غير النفطية وفي شتى القطاعات الاقتصادية سواء كانت زراعية وصناعية ومنافذ حدودية إضافة الى تفشي الفساد الكبير الذي قضم جزءا كبيرا من الموازنات السابقة وعليه الموازنة اليوم امام لحظات حاسمة قد تكون قاصمة لبعض الشرائح المجتمعية والتي اعتادت عليها و تحملها تبعات سوء الإدارة والتخطيط الحكومي المتراكم والذي نأمل أن يزال غباره من أجل النهوض بكل المفاصل التنموية في البلاد بعيدا عن حالة الانتحار السريري الذي تواجهه الموازنة الاتحادية.
الرئیسیة