عقب إعلان البنتاغون انسحاب آخر جندي أميركي من أفغانستان، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، : “الآن أعلن انتهاء 20 عاماً من الوجود الأميركي في أفغانستان”.. انتهى الوجود الأميركي بأفغانستان لكن قصصاً إنسانية عدة طفت إلى السطح، أبرزها ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مترجم أفغاني أسهم في إنقاذ الرئيس الأميركي، جو بايدن، عام 2008، لكنه لا يزال بين من تركتهم الولايات المتحدة خلفها في أفغانستان.
وحسب الصحيفة، فقبل 13 عاماً ساعد المترجم الأفغاني محمد في إنقاذ السيناتور حينها جو بايدن وعضوين آخرين في مجلس الشيوخ الأميركي، حين تقطعت بهم السبل في وادٍ ناءٍ بأفغانستان، بعد أن اضطرت المروحية التي تقلهم إلى الهبوط وسط عاصفة ثلجية.
وناشد محمد بايدن عبر صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي تحفظت على ذكر اسمه الكامل لأسباب تتعلق بسلامته، قائلا “مرحباً سيدي الرئيس، أنقذني وعائلتي. لا تتركني هنا”.
ولفتت الصحيفة إلى أن محمد يختبئ حالياً مع زوجته وأطفاله الأربعة خوفاً من حركة طالبان، بعد أن تعثرت محاولاته للخروج من أفغانستان بالإجراءات البيروقراطية، مثله في ذلك مثل الكثيرين من حلفاء الولايات المتحدة، الأفغان، الذين تخلفوا عن الركب مع إنهاء الولايات المتحدة لحربها في البلاد.
ووفق ما نقلته “وول ستريت جورنال” عن محاربين قدامى في الجيش الأميركي، فقد كان محمد يعمل مع القوات الأميركية في عام 2008، عندما اضطرت مروحيتان عسكريتان من نوع بلاك هوك إلى الهبوط في أفغانستان خلال عاصفة ثلجية، أدت إلى انعدام كامل للرؤية.
وكان على متن المروحيتين 3 أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، الديمقراطي جو بايدن من ديلاوير، والجمهوري تشاك هيجل من نبراسكا، والديمقراطي جون كيري من ماساتشوستس.
وبينما وجه طاقم المروحيتين نداءً عاجلاً للمساعدة، انتشر الفريق الأمني الخاص من شركة “بلاك ووتر” وجنود الجيش الأميركي، تحسباً لوجود مقاتلي طالبان في المنطقة.
وروى الرقيب أول في الحرس الوطني بأريزونا حينها برايان جينتي أنه بمجرد تلقي هذا النداء في قاعدة باغرام الجوية الأميركية، قفز محمد في سيارة همفي مع قوة للاستجابة السريعة من الحرس الوطني في أريزونا كانت تعمل مع “الفرقة 82 المحمولة جواً”، ثم قاد السيارة لساعات نحو الجبال المجاورة من أجل إنقاذ العالقين.
لم تكن المنطقة التي شهدت الهبوط الاضطراري، والواقعة على بعد 20 ميلاً جنوب شرقي قاعدة باغرام، خاضعة لسيطرة طالبان في ذلك الوقت، لكنها أيضاً لم تكن آمنة تماماً، فقبل يوم واحد فقط من الحادثة، قتلت القوات الأميركية نحو 20 من مقاتلي طالبان في معركة كبيرة على بعد حوالي 10 أميال، كما قال الجنود الذين قاتلوا هناك في ذلك الوقت.
وذكر أعضاء مجلس الشيوخ في وقت لاحق، أنهم أمضوا الوقت في المروحية، وهم يمزحون حول إلقاء كرات الثلج على طالبان.
وصرح جون كيري بعد الإنقاذ، “كنا سنرسل بايدن لمحاربة طالبان بكرات الثلج، لكن لم يكن علينا فعل ذلك”.
وقال ماثيو سبرينغماير، الذي كان حينها يقود الفريق الأمني لـ”بلاك ووتر”، أنه تمت إعادة أعضاء مجلس الشيوخ سريعاً إلى قاعدة باغرام مع المجموعة نفسها التي قدم معها محمد.
وأكد جينتي أن محمد وقف مع الجنود الأفغان على جانب واحد من المروحيات، بينما قام أفراد من الفرقة 82 المحمولة جواً بحماية الجانب الآخر، وعندما اقترب السكان المحليون الفضوليون أكثر من اللازم، كان محمد يستخدم مكبر الصوت ليطلب منهم المغادرة.
وحسب الجنود الأميركيين، فقد شارك محمد معهم في أكثر من 100 معركة بالأسلحة النارية. وقال جينتي إن الجنود وثقوا به لدرجة أنهم كانوا يعطونه أحياناً سلاحاً لاستخدامه إذا واجهوا مشكلة في بعض المناطق الصعبة.
ولفتت الصحيفة إلى أن بايدن استخدم هذه الحادثة لتلميع سجله في السياسة الخارجية، وذلك خلال خوضه السباق الانتخابي مرشحاً لمنصب نائب الرئيس في 2008.
وأفصح بايدن خلال حملته الانتخابية في أكتوبر بعد أشهر فقط من الإنقاذ، “إذا كنت تريد أن تعرف أين يعيش تنظيم القاعدة، وأن تعرف مكان (أسامة) بن لادن، عد إلى أفغانستان معي. اصحبني إلى المنطقة التي اضطرت فيها مروحيتي للهبوط فى وسط تلك الجبال، وعندها أستطيع أن أخبرك أين هم”.
وأوردت الصحيفة: فقد تعثر طلب التأشيرة الذي قدمه محمد بعد أن فقد متعاقد الدفاع الذي كان يعمل لديه، السجلات التي يحتاجها لطلبه.
وبعد سيطرة طالبان على كابل في 15 أب، قال محمد إنه جرب حظه في الذهاب إلى بوابات مطار كابل، مثله مثل الآخرين، لكن القوات الأميركية، اعترضت طريقه، وقالوا له إنه يمكنه الدخول لكن بدون زوجته وأطفاله.
من جانبها، شكرت المتحدثة الإعلامية للبيت الأبيض جين ساكي، الثلاثاء، المترجم محمد على خدمته، مؤكدة أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بإخراج الحلفاء الأفغان من البلاد.
وصرحت ساكي بعد أن قرأ عليها مراسل في “وول ستريت جورنال” رسالة محمد إلى الرئيس بايدن، “سنخرجك، وسنرد لك الجميل”.
يذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن قد أكد أمس الثلاثاء أن أميركا أنهت أكبر عملية إجلاء في التاريخ، مضيفاً أن “أميركا أنهت في أفغانستان أطول الحروب في تاريخها”، لكنه اعتبر أن “المهمة في أفغانستان لم تنته بعد”.
وأضاف في كلمة من البيت الأبيض حول انتهاء عمليات الإجلاء: “نجحنا بإجلاء عشرات الآلاف من أفغانستان رغم استهداف داعش لمطار كابل”، وصفاً الإجلاء من أفغانستان بـ”التاريخي” و”العملية الناجحة” والاستثنائية.
وقال بايدن إن واشنطن نجحت “بإخراج 90% من الأميركيين الراغبين بمغادرة أفغانستان”، معرباً عن تصميمه على “إجلاء من تبقى من الأميركيين في أفغانستان”.
وشدد بايدن على ضرورة “عدم نسيان التضحيات التي قدمناها في أفغانستان”. وتابع: “رغم تدريبنا وتسليحنا للقوات الأفغانية لكنها انهزمت ولم تقاتل”، قائلاً إن “الشعب الأفغاني راقب انهيار دولته وهروب رئيسه”.