آلاف الشباب هاجروا العراق، لأسبابٍ مختلفة كثيرة، سواء من جحيم الحرب أو من الفقر والبطالة، أو من خوف وتهديد، والبعض منهم ليس عاطلاً عن العمل، بل هم من أصحاب الاختصاصات النادرة في مجال الطب والهندسة وعلوم أخرى كثيرة أثروا بها الدول التي منحتهم حق اللجوء والحياة، فبعد اتساع حالة الفقر منذ تسعينيات القرن المنصرم وزيادة نسبة الفقراء ما بعد العام 2003، تزايد عدد المهاجرين الى أرقامٍ كبيرة لم تلتفت إليها الدولة ولم تجد سبلاً لمعالجتها وعدتها حالة طبيعيَّة أو واقع حال لا بُدَّ منه وسط الظروف الحاليَّة التي تعيشها البلاد، فعدم الاستقرار السياسي والأمني ينعكس بشكلٍ سلبي على الاقتصاد في العراق وهو أحد الأسباب الرئيسة للهجرة، حالة الفوضى والتوتر العميق الذي يعيشه المواطنون بسبب الاضطرابات والتوترات السياسيَّة بين مختلف الأحزاب الحاكمة والاشتباكات العسكريَّة المستمرة مع العصابات الإرهابيَّة وارتباك الواقع الاقتصادي بين فترة وأخرى، كلها أسـبابٌ تثير المخاوف وتدفع بشباب وأسر للهجرة خارج البلاد، تنامي هذه الظاهرة أصبح بحاجة الى ترسيخ مفاهيم السلم وإعــــادة تفعيل النظام المؤسساتي المستند الى قوة القانون، وإحياء مبدأ المواطنة الصالحة والمساواة بين جميع أفراد الشعب بعيداً عن (الوساطات) و(الرشاوي) التي أثرى منها الكثيرون من متنفذين وسماسرة احتكروا مؤسسات الدولة لمصالحهم الشخصية، فالبقاء على استمرار البطالة وهشاشة الاقتصاد مع استمرار حلول الترقيع ستزيد الواقع المأساوي للعراق وستنتج عنها عواقب اقتصاديَّة وخيمة، يظن المتنفذون وأصحاب الأموال بأنهم في مأمن منها.
المسؤوليَّة على عاتق الجميع ولا بُدَّ من معالجة هجرة الشباب والكفاءات العلميَّة لأنها ستجعل من العراق دولة تنتقصها الخبرات في جميع المجالات، وليس من الصحيح فرض قيودٍ وقوانين تحدُّ من حريَّة الناس في سفرهم بحجة منع الهجرة، بل الصحيح أنْ تكون هناك امتيازات وفرص تجذب الشباب لتحقيق طموحهم المشروع في الحياة، وتكوين بيئة جاذبة يسعى إليها الجميع، فليس من السهل على أيٍ منا أنْ يهاجر الى بلاد الغربة وبلده يعيش حالة رخاء ورفاهيَّة، وبغض النظر عن موضوع الهجرة، فإنَّ مشكلات البطالة ستؤدي الى اتساع عالم الجريمة، وستتوسع مهن وظواهر أخرى كثيرة مرافقة لاستمرار تضخمم حجم البطالة أهمها انتشار تجارة المخدرات التي اكتسحت أغلب المدن العراقيَّة.
الشباب هم الثروة البشريَّة الحقيقيَّة في أي دولة وليس العراق فحسب، وليس من الحكمة البقاء في موقف المتفرج على حشود المهاجرين من الشباب العراقي وهم يهربون من واقعهم الأليم الى عالم مجهول.
الرئیسیة