ثقافة الانتخاب والتغيير

يحتدم هذه الأيام الجدل والنقاش حول أهمية الانتخابات واختيار الأصلح، ومع النقد الكبير لأبناء المجتمع لكثير من السياسيين والكتل السياسية للأداء السيئ أو لفساد بعضهم أو فشلهم، ولكنهم في النهاية سيعودون لانتخابهم من جديد، وذلك لأنهم منساقون بثقافة القطيع نحو وجهة معينة سياسية أو دينية، طائفية أو عرقية، لذلك ينبغي أن نطرح سؤالين يتعلقان بجانبي الموضوع. الأول: هل يمتلك أبناء المجتمع ثقافة الانتخاب؟، والثاني: هل يريد أبناء المجتمع التغيير فعلا أم هو شعار يرفعونه بصورة شكلية؟.

وفي الجواب عن الأول يبدو واضحاً أن أكثر المواطنين لا يمتلكون ثقافة الانتخاب، ويجهلون ما وظائف النائب في البرلمان، ويجهلون دوره التشريعي والرقابي في الأداء الحكومي، بل أنهم يعدّونه عوناً لهم في إكساء الشوارع، وتعيين العاطلين، وفي ذهنهم سيلجئون اليه إذا أصابتهم أزمة في أحد المفاصل الحكومية. كما يميلون إلى إقامة علاقات اجتماعية معه يرجعون اليها وقت الضرورة، وفي الوقت نفسه يستغل النائب هذا الجهل، فيمنيهم ببعض الخدمات والوظائف لينتخبوه. فهي عملية اشبه بالتبادلية النفعية يغيب فيها الدور الرئيس للنائب، ويحصل مقابلها بعض الناس ببعض المنافع الوقتية، وتغيب فيها المصلحة العامة والنظرة الاستشرافية للمستقبل السياسي والاجتماعي للبلد.
وفي الجواب عن الثاني يتضح لنا أننا أمام ازدواجية كبيرة، سادت مجتمعنا بشكل يصعب التخلص منه، ففي الوقت نفسه الذي نطمح فيه للتغيير ولكننا نخشاه، ونخاف من عواقبه، وفي الوقت نفسه الذي نريد فيه التجديد ولكننا نرتاب فيه، وذلك لأسباب عدّة، منها: أنه ليس هناك شيء مضمون في هذا البلد، وليس هناك جهة عليها اجماع يركن اليها في حالة التغيير، كما أننا داخل منظومة ثقافية ودينية تخشى التغيير وتخاف من الغريب، وتحسب أن أي حركة مخالفة للواقع مؤامرة تريد النيل منّا، وأي مطالب للتغير معناها هدم القيم والمعتقدات والعادات والتقاليد، وأي مظاهرة تطالب بأبسط الحقوق الإنسانية مدعومة من الخارج، وأي تحديث يريد محو هويتنا وثقافتنا ورموزنا وعقائدنا وديننا، نحن لا نفهم أن التغيير هو شيء طبيعي في الحياة والكون وحتى الفهم، وهو آت لا محالة شئنا أم أبينا. بل أننا ربما نقف في طريقه. ونحاول الحفاظ على أفكار وأنماط لا تصلح لهذا الزمان، ما زالت عالقة في تفكيرنا وأذهاننا، تآلفنا معها بشكل كلي، لذلك يجب اعداد برنامج ثقافي شامل وكامل لتأهيل أبناء المجتمع، لفهم ذاتهم ومجتمعهم وما يتصل بهم من حراك اجتماعي وسياسي وثقافي، وربما لنا مع هذا البرنامج وقفة أخرى في مقالة أخرى إذا شاء الله تعالى.