داعش المستجد

لم تكن فرحة تحرير الموصل وبقية التراب الوطني كاملة، بل نغصّتها أمور عدة كدّرت صفوها كبقاء ذيول لداعش وذلك باختفاء عناصره الاجرامية بين الاهالي واندساسهم بينهم بشتى طرائق الغش والاختفاء، مع استمرار بقاء بعض الحواضن التي تمده بالتسهيلات اللوجستية، والتي تمهّد الطريق له لتنفيذ اجنداتها الارهابية بالتغطية، رغم ان الموصل كانت اهم القلاع الستراتيجية، التي تحصّنت بها هذه العصابات وكانت تنطلق منها لممارسة فعالياتها الارهابية بجميع انواعها، بالمقابل كانت عمليات تحريرها ذروة عمليات التحرير، بعد أن تلاحم العراقيون جميعا بجميع ألوان فسيفسائهم لطرد عناصرها من ارض الوطن، الا ان جذورها لم تُقتلع نهائيا ربما الجهوزية لم تكن متكاملة لذلك، او لطروء مستجدات اخرى محلية او اقليمية أسهمت في بقاء الجذور الداعشية في بعض الحواضن، التي ساعدت على نموها، ولكن في الفترات الاخيرة استفحل خطر هذه البقايا، وبما يمكن تسميتها بالنسخة الثانية لداعش او داعش «المستجد» التي ما زالت تختار اهدافها بنفسها، ومازالت تحدد وتضرب متى ما شاء وانى شاء، ومن هذه الاهداف المواطنون العزّل، فضلا عن نقاط الجيش والقوات الامنية او مواقع الحشد الشعبي، وضد خطوط نقل الطاقة الكهربائية ما يسبّب المزيد من المعاناة للمواطنين، الذين يعانون اساسا من تهالك منظومة الطاقة الكهربائية الوطنية منذ زمن ليس بالقصير، فضلا عن تسميم المياه واستهداف القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، كحرق حقول الحنطة وغيرها وإحداث أفدح الخسائر بالاقتصاد الوطني، الذي بدأ ينحو نحو تعدد مصادر الدخل القومي لرفد الموازنات العامة، التي ما زالت تعاني من عجز مزمن، فهي حرب اقتصادية شرسة متعددة الوجوه، فعصابات داعش الارهابية عادت سيرتها الاولى في اقتناص الفرص، التي ما زالت ازمات المشهد العراقي المستديمة وبجميع جوانبها السياسية/ السيوسولوجية تعطيها لداعش التي تعتاش على مآلات هذه الازمات وتداعياتها، فهي متمكنة في استغلال عيوب وثغرات الواقع العراقي أبشع استغلال، وتوجيه سهامها المسمومة بين الحين والاخر، وداعش ـ في ما يبدو ـ ما زالت تستطيع قراءة مواطن الخلل والضعف في الخارطة السيا/ امنية / الاقتصادية العراقية .
وبرأيي ان الاجندات المخابراتية التي تقف وراءها أرادت أن تبقى عصابات داعش الارهابية بأي صورة كانت او حجم او هدف يكون، مادامت وسائل بقائها المحلية والاقليمية مستمرة، ولم يتم تجفيف المستنقعات، التي تعتاش عليها او تطهير حواضنها وارجاعها الى الصف الوطني، وكل تلك الاسباب أدت الى استمرار ارهاب داعش الى الآن، وتستعيد جهوزيتها التي فقدت بعضها بعد التحرير، التي بقيت بحاجة الى صولة اخرى لاكتمالها هذه المرة .