تفشي المتحور دلتا يعيد تشديد القيود الصحية حول العالم

بولتيك بريس

يرغم التفشّي المتسارع للنسخة المتحوّرة دلتا من فيروس كورونا الدول على إعادة تشديد القيود الصحية، في وقت نبّهت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التعامل مع هذه السلالة بصفتها “تحذيراً” يتطلب تكثيف الجهود للحيلولة دون ظهور طفرات أكثر خطورة.

وفرضت الصين تدابير إغلاق محلية، تزامنت مع تعبئة للجيش في أستراليا وتمديد حال الطوارئ في اليابان. وبات وضع الكمامات الزامياً مجدداً في المناطق الأكثر تضرراً من الفيروس في الولايات المتحدة، حيث يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن تكثيف حملة التلقيح البطيئة.

وتجد الصين، حيث ظهر الوباء لأول مرة في مدينة ووهان (وسط) أواخر 2019، أن سياسة الاحتواء التي كانت أول من طبقتها العام الماضي باتت مهددة، مع تسجيل إصابات جديدة انطلقت من نانجينغ، في شرق البلاد، وامتدت إلى خمس ولايات وانتشرت في بكين لأول مرة منذ ستة أشهر.

بعدما ثبتت إصابة تسعة موظفين في مطار نانجينغ في 20 يوليو، تم تسجيل 184 حالة في مقاطعة جيانغسو (شرق)، و206 على المستوى الوطني. وتم فرض تدابير الحجر على مئات الآلاف من السكان في هذه المنطقة وفي بكين.

وتبيّن أن غالبية المصابين الجدد في الصين هم من الملقحين. وقال خبير الأمراض المعدية في شانغهاي زانغ ونهونغ في تغريدة إنه يمكن للقاحات أن “تبطئ وتيرة الانتشار وتخفّض معدّل الوفيات” لكن من دون شكّ لا يمكنها “القضاء على الفيروس”.

في السياق نفسه، وفي مذكرة داخلية مثيرة للقلق تم تسريبها، أورد المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن المتحور دلتا معدي على غرار مرض جدري الماء، ويُرجح أنه يتسبب بحالات أشد خطورة من المرض، ومن يصابون بالعدوى ممن أخذوا اللقاح قد ينقلون العدوى بالدرجة نفسها كما هي الحال لدى من لم يحصلوا على اللقاح. وقال المركز إن “الحرب قد تغيرت” جراء المتحور دلتا.

من جهتهم، نبّه باحثون أوروبيون إلى أنّ الحدّ من تدابير الوقاية، كوضع الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي في وقت لم يصار فيه الى تطعيم جميع السكان، من شأنه أن يزيد من احتمال ظهور متحورات جديدة مقاومة للقاحات.

وقال المسؤول عن حالات الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية الدكتور مايك راين خلال مؤتمر صحافي في جنيف إن المتحور “دلتا هو بمثابة تحذير يخبرنا أن الفيروس يتطور، لكنها أيضاً بمثابة نداء للتحرك، للقيام بشيء ما قبل ظهور أشكال أكثر خطورة من المتحورات”.

كما قالت ماريا فان كيركوف، الرئيسة الفنية لمكافحة كوفيد-19 في منظمة الصحة العالمية إن الأدلة أظهرت أن المتحور دلتا ينتقل بين الأشخاص الذين يختلطون اجتماعياً.

وأضافت في مؤتمر صحافي: “اسمحوا لي أن أكون واضحة جداً: نحن لا نرى المتحور دلتا يستهدف الأطفال على وجه التحديد”.

وظهر المتحور دلتا حتى الآن في 132 دولة وهو أكثر قابلية للانتقال من النسخ السابقة للفيروس، بما في ذلك تلك المثيرة للقلق.

في اليابان، وبعد أسبوع من انطلاق الألعاب الأولمبية، مدّدت السلطات حالة الطوارئ الصحية في طوكيو حتى نهاية أب، ووسّعتها لتشمل أربع مقاطعات أخرى.

وقال رئيس الحكومة يوشيهيدي سوغ، إن “العدوى تتفشى بسرعة لم يسبق لها مثيل”، خصوصاً في صفوف الشباب، مع تسجيل عشرة آلاف إصابة يومياً في معدل قياسي.

وسجّل منظمو الألعاب الأولمبية 27 إصابة جديدة مرتبطة بالحدث، ثلاثة منها في صفوف لاعبين، في أعلى معدل رغم التدابير المشددة.

من جهتهم، دُعي الأميركيون، بمن فيهم من حصلوا على جرعتي لقاح، الى الالتزام بوضع الكمامات مجدداً في المناطق التي تسجّل ارتفاعاً في نسبة الإصابات. وفي محاولة لدفع عملية التطعيم قدماً، أوعز الرئيس جو بايدن إلى السلطات المحلية بتحويل مبلغ 100 دولار لحساب كل شخص يقبل على تلقي اللقاح.

ويتعيّن على رواد مسارح برودواي، المغلقة منذ اذار 2020، أن يكونوا قد تلقوا اللقاح كشرط لحضور العروض بدءاً من شهر ايلول المقبل.

كما أعلنت الولايات المتحدة، أنها قدّمت ثلاثة ملايين جرعة من لقاح موديرنا الى أوزبكستان، في بادرة تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى على الحدود مع أفغانستان.

وبحسب دراسة نُشرت مؤخرا، يشكل الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح نحونحو 85% من المصابين الذي يدخلون المستشفيات و78% من الوفيات في فرنسا.

وبدءاً من التاسع من أب المقبل، على المسافرين على متن القطارات الفرنسية أن يتوقعوا في أي لحظة أن يُطلب منهم إبراز الشهادة الصحية.

وتفرض ألمانيا، بدءاً من يوم الأحد، على السياح غير المطعمين إبراز اختبار سلبي للفيروس عند وصولهم الى أراضيها، سواء عبر الطائرة أو السيارة أو القطار.

وفي الفليبين، أعلنت السلطات، أن 13 مليون مواطن في منطقة مانيلا سيخضعون اعتباراً من الأسبوع المقبل للحجر، في قرار صعب هدفه “إنقاذ الأرواح”.

ورغم تزايد الضغوط حول العالم لتسريع حملات التطعيم، فإنها تبقى غير متساوية إلى حد بعيد، إذ منحت الدول ذات الدخل المرتفع ما معدله 97 جرعة لكل 100 نسمة، مقابل 1.6 جرعة فقط في البلدان الفقيرة.

ويتوقّع برنامج “كوفاكس” الذي من المفترض أن يسمح للبلدان الفقيرة بتلقي اللقاحات مجاناً، تلقي 250 مليون جرعة من اللقاحات خلال الأسابيع الستة إلى الثمانية المقبلة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

في بورما، حذّرت السلطات من وضع “يائس”، داعيةً مجلس الأمن الدولي الى التأكد من إمكانية إيصال اللقاحات، رغم الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ الانقلاب الذي أطاح بالسلطة المدنية قبل ستة أشهر.

وفي إفريقيا، تعرف السنغال، التي بقيت بمنأى عن الوباء نسبياً لفترة طويلة، انتشاراً غير مسبوق للعدوى على غرار بقية دول القارة وتفتقر المستشفيات المكتظة فيها إلى الأكسجين.

وتكافح تونس، حيث يُسجّل معدل الوفيات الأعلى في شمال افريقيا، للتصدي للفيروس، مع ارتفاع عدد الإصابات، بينما تعاني غرف العناية المركزة من نقص في عبوات الأكسجين.

وارتفع متوسط عدد الحالات اليومية الجديدة على مستوى العالم بنسبة 10% خلال أسبوع إلى 575,918 إصابة حتى الخميس، ويستمر الوباء في الانتشار بسبب المتحور دلتا إلى حد كبير.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية، آخذةً بالاعتبار معدّل الوفيات الزائدة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بكوفيد-19، أن حصيلة الوباء قد تكون أكبر بمرتين أو ثلاث مرات من الحصيلة المعلنة رسمياً.